عنف الاستعمار سلب منّا اللغة لكنّنا نقاوم محونا
بعد عامٍ من المجازر المستمرّة والتطهير العرقيّ ومحاولات توسّع المشروع الاستعماريّ الاستيطانيّ الصهيونيّ وثوراتنا العالميّة الصامدة، نحمل اليوم رسالةً من فلسطين إلى العالم، مع أنّ الكلمات لا تُسعفنا بنقل عُمقِ صدماتنا النفسيّة الجماعيّة وحركات المقاومة الراديكاليّة التي نجسّدها، إذ نرى الكلمات تنهار شاهِدةً على تدمير الأجساد والأرض والتاريخ والمستقبل. لا يمكن للغةٍ بعد الآن أن تحمِل ثقلَ معاناتنا وغضبنا العارم وحِدادنا اللامنتهي؛ لا يمكن للغةٍ أن تعدل في تسمية مشاعرنا وتجاربنا. بينما تجرح قوى الرأسماليّة والاستعمار العالمَ بالقتل والتدمير، نصرّ نحن على إيصال أصواتنا مدفوعين ومدفوعات بقوّة الحياة التي نسعى إليها ونمضي نحوها باستمرار.
فلسطين ولبنان: أرض واحده في الحِداد والنضال
لا يزال الكيان الصهيونيّ المستعمر موجودًا بسبب القوى الإمبرياليّة الاستعماريّة المستمرّة في دعمِه وتمويله. إنّها القوى التي أنتجت اتّفاقيّة سايكس بيكو الاستعماريّة في العام ١٩١٦، والتي قسّمت فلسطين ولبنان وسوريا والأردن وشعوب عربيّة أخرى بعد أن فرضت حدودًا على أراضينا. إنّنا اليوم نعيش تبعات ما أنتجته هذه الأنظمة؛ إذ إنّنا نجسّد معرفتنا بعنفها ولطالما حاولنا تحذير العالم بأجمعه من فشل هذه الأنظمة في إبصار إنسانيّتنا واحترام سيادتنا على أراضينا. إنّ وعود العالم بالعدالة والمساءلة من خلال المؤسّسات والقوانين الدوليّة الاستعماريّة لا تؤدّي إلّا إلى إعادة إنتاج العنف والأذى دون أيّ تحوّلات أصيلة، لأنّ جوهر وجود هذه القوى الاستعماريّة مبنيّ على استغلال الناس وإنهاء حيواتهم (الاجتماعيّة). إنّنا اليوم نشهد على إعادة استخدام تكتيكات الإبادة التي نعيشها في غزّة منذ تشرين الأوّل الماضي في لبنان، فهذه القوى تكبس على أنفاسنا جميعًا بأدوات متعدّدة ابتداءً من رقابة القمع السياسيّ الممنهج وانتهاءً بالأسلحة الفتّاكة بحياتنا. ما لم نقم بتفكيك هذه القوى، سواء الشركات الرأسماليّة أو غيرها من النُظم الاستعماريّة، ستستمرّ في استنزافنا جميعًا.
الصهيونيّة؛ خطرٌ يهدّد البشريّة
لا يزال الاستعمار الصهيونيّ الاستيطانيّ يتوغّل في أراضي اليمن ولبنان وسوريا والعراق وفلسطين ولن يتوقّف هنا لأنّه خطرٌ يهدّد العالم بأسره. بينما تُستخدم فلسطين كأرضٍ يَختبر فيها الكيان الصهيونيّ آليّات قمعٍ واضّطهاد متعدّدة، بما فيها الهجمات السيبرانيّة والحرب التكنولوجيّة، بهدف السيطرة على الشعب وتقويض وقمع حركات المقاومة في العالم، تُصدَّر وتُستخدم هذه الاختراعات الصهيونيّة لتمارِس دولٌ أخرى العنف وتدعم التوسّع الاستعماريّ الإمبرياليّ الرأسماليّ. يمتدّ تأثير الكيان الصهيونيّ ليطال الجغرافيا السياسيّة واستخراج الموارد في دول أمريكا الجنوبيّة وإفريقيا – ابتداءً من مشاريع التعدين في ناميبيا واستخراج الألماس في أنغولا وانتهاءً بمشروع “كوب سيتي” العسكريّ في الولايات المتّحدة الأمريكيّة – ولا يمكن إيقاف عدوان هذا الكيان إلّا بالنضال لإلغائه.
خرافة الفردانيّة والعزلة
تستخدم الأنظمة (النيو)ليبراليّة والرأسماليّة العنصريّة والاستعماريّة الفردانيّةَ كأداةٍ مصمّمة لتدمير مجموعاتنا الأهليّة و ممارساتنا الجمعيّة من خلال تفرقتنا وعزلنا عن أنفسنا وبعضنا البعض وعن أرضنا والكوكب والكون. إنّ وهم الانفصال هذا يسلبنا استقلاليّتنا وسيادتنا على أجسادنا وأرضنا، لذا نقاوم خرافة الفردانيّة التي أتى بها الاستعمار ليغذّي الأنظمة القمعيّة. إنّنا كيانات تحتاج إلى التكافل وقضايانا التي نناضل من أجلها مترابطة ومتقاطِعة، بالتالي لن يتحرّر الفرد إلّا بتحرّرنا جميعًا.
في طريقنا نحو الإلغاء والتحوّلات الجذريّة
لا يمكن قياس واقعنا وحقيقتنا الكويريّة النسويّة الراديكاليّة ولا يمكن اختزالها في بياناتٍ أو شاشاتٍ أو صورٍ استهلاكيّة. إنّ عنف الإبادة الذي نواجهه ونقاومه كلّ يوم ليس مجرّد حدثٍ ينتظر توثيقه؛ إنّنا نختبر انكسارًا عميقًا يمزّق نسيج الحياة، لذا لا يمكن للكلام والخطابات أن تكفيه فهو يطالب بالتصرّف وإحداث تحوّلات جذريّة والسعي للإلغاء؛ ليس فقط من خلال حلّ السجون وإبطال النظم العقابيّة، بل أيضًا من خلال رفض كلّ الهياكل التي تسعى إلى سجن وقتل أجسادنا ورغباتنا وأرضنا ومستقبلنا. إنّ إلغاء هذه الأنظمة يعني مواجهة القوى التي تسعى إلى محونا. هذه المواجهة ضروريّة للاستمرار في طريقنا نحو إحداث تحوّلات ممنهجة تضمن الحقّ بالحياة، وذلك من خلال تخيّل وبناء مستقبل مختلف جوهريًّا عن الحاضر الذي نعيشه.
الأمل كممارسة راديكاليّة
إنّ أجسادنا تتألّم من الإرهاق وأرواحنا مليئة بالندوب ومثقلة تحت وطأة القمع والاضطهاد. نحن المحاربات والناجيات والمتمرّدات، نحن المحاربون والناجون والمتمرّدون نرى في الأمل ممارسةً راديكاليّة في أرضنا المسروقة، حيث نعيش إبادةّ جماعيّة في كلّ لحظةٍ من يومنا، ولكنّ هؤلاء المعتدين لن يستطيعوا إطفاء شعلتنا. ندرك جيّدًا أنّ عدم اكتراث العالم خيانة لكنّنا لن نسمح للخذلان باستهلاكنا، لذا نتّحد ونقوّي أنفسنا وبعضنا البعض ونستمدّ قوّتنا من سخطنا الجماعيّ وشعورنا العارم بالفقد. في هذه الأوقات العصيبة نجد في الأمل قوّةً تغذّي مقاومتنا الجماعيّة لأسس هذه الأنظمة الظالمة في فلسطين وكلّ بقعة في العالم. سنواجه هذه الإبادة ونعيش ونبقى لنزدهر ونستردّ أرضنا المسروقة ونبني مستقبلًا حرًّا من أغلال الأبويّة والاستعمار والرأسماليّة والصهيونيّة.ا
لنضال التحوّليّ المستمر نحو التحرّر الجماعيّ
بعد مرور عامٍ كامل بأيّامه ولياليه، لا نزال ندعو العالم؛
ليقاوم بروحٍ راديكاليّة ونسويّة وكويريّة وتقاطعيّة ومناهضة للاستعمار وساعية لإلغاء الأنظمة العقابيّة. لندع حراكاتنا تستمدّ قواها من الغضب والحبّ والطوق للعدالة والتحوّل والتحرّر الجماعيّ.
لنقاوم السرديّة الاستعماريّة المهيمنة؛ لاتتوقّف.ي عن التكلّم عن فلسطين مع أفراد عائلتك و أخواتك و إخوانك الكويريّين وأصدقائك وصديقاتك وأفراد مجتمعك الأهليّ. تحدّى.ي التأطير الاستعماريّ والكاره للإسلام الذي يصوّر الأصوات الفلسطينيّة وأصوات الأعراق التي تعاني من التمييز على أنّها معادية للساميّة.
صعّد.ي في تعويق الأنظمة الاستعماريّة الرأسماليّة التي تغذّي هذا العنف. اغضب.ي وأضرب.ي ضدّ استخدام عملك وضرائبك لتمويل ودعم الإبادة والاستعمار الاستيطانيّ.
حارب.ي الحكومات ومارس.ي حقّك في مساءلتها عن علاقاتها العسكريّة والدبلوماسيّة والاقتصاديّة والسياسيّة مع إسرائيل ودعمها لها.
لندع سخطنا وفقدنا يتحوّلان إلى قوى تغيير جذريّة سعيًا لعالمٍ خالٍ من الصهيونيّة وأنظمة القمع الأخرى.
تخيّل.ي عالمًا مختلفٍ جذريًّا وحقّق.ي هذا الخيال من خلال التنظيم لمحاربة الأنظمة الحاليّة وبناء المستقبل انطلاقًا من الحاضر.
.لنتذكّر دائمًا أن نكرّم الأرواح التي فقدناها ونصمد بكلّ ما أوتينا من قوّة ونقاوم بكلّ ما لدينا من وسائل